د. جمال فزة
   على غرار قسم أفترض أنه عريض من المواطنين المغاربة، أتابع مقابلات كرة القدم التي يخوضها المنتخب المغربي في إطار منافسات كأس إفريقيا للأمم خلال السنة الجارية 2017. وعلى غرار قسم أفترض أنه ضيق من السوسيولوجيين المغاربة، أتابع هذه المقابلات بفضول من يجدها فرصة لطرح السؤال الذي يشغل بال السوسيولوجيين المغاربة لاسيما في زمن العولمة: ما الذي يوحد المغاربة؟ أو قل ما الذي لايزال يوحدهم؟
دعوني أولا أعبر لكم عن استيائي من الطريقة التي يلعب بها المنتخب المغربي؛ فأنا لست مقتنعا بأنني أمام منتخب يتشكل من محترفين بالرغم من الانتصارين الأخيرين، لاسيما الانتصار أمام منتخب ساحل العاج بهدف نظيف. فإذا ما نسينا الهدف، سوف نجدنا أمام مقابلة بدون معنى، أو قل أمام مقابلة مليئة بمعاني الإحباط والاستياء. فلكأني به أمام فريق يلعب بالخطة الآتية: "توزيع الكرة عاليا من الدفاعات إلى مواقع الهجوم، ليشرع اللاعبون في الاحتكاك فيما بينهم وكأنهم يتشاجرون، فتنتهي اللعبة بصفارة الحكم معلنة عن ضربة تماس أو ارتكاب أحد اللاعبين خطأ".
لكن الغريب كل الغرابة هو الحالة التي كان عليها المغاربة وهم يشاهدون المقابلة داخل المقاهي؛ فقد كانوا متحمسون جدا وعلى درجة كبيرة من الهيجان وكأننا نشاهد مقابلة حقيقية. كانوا، كلما هم الإفواريون بالهجوم مهددين دفاعات المنتخب المغربي، يطلقون العنان لأفواههم، يسبون ويشتمون وغالبا ما يكون السب والشتم ممزوجا بطابع العنصرية. لكن الأغرب هو أن ينصهر الدين الإسلامي بأسمى قيم العنصرية؛ حيث كانت تلوث مسامعك بين الفينة والأخرى عبارات من قبيل : "الله أكبر .. اعط للعزي دين مو".
دعوني أعترف لكم بأمر ما : أنا لا أكون إلى جانب المنتخب المغربي عندما لا يلعب بطريقة جيدة ومقنعة، وأفضل أن ينهزم ويعود إلى البيت على أن يستمر في المنافسات بفضل الحظ والصدفة. فهل يمكن أن ننعت هذا الشعور وهذا الموقف باللاوطنية؟ أم بالعكس هو عين الوطنية وكنهها لأنه لا يقبل أن يكون من يمثل الوطن ليس أهلا بتمثيله، ولأنه لا يتصور وطنية صادقة إلا إذا انصهرت مع قيم الاستحقاق والأهلية، ويشك في أن يكون من لا يؤمن بهذه القيم يحب وطنه فعلا بالرغم من حالة الهستيريا التي تصيب هذا النوع من الأشخاص حينما يسجل المنتخب المغربي هدفا في مرمى الخصم. 
أنا لا أختزل المقابلة في النتيجة، وأركز أكثر على الطريقة التي من المفروض أن تكون جميلة وممتعة ومقنعة حتى في حالة الهزيمة. فنحن نخوض غمار منافسات يمكن أن نحصد فيها النصر كما يمكن أن نحصد الهزيمة. وكما أعددنا العدة، أعد الآخرون عدتهم، والمهم أن نقدم عرضا يسر الناظرين ويقنع المشاهدين. لكن يبدو أن هذه الأمور لا تعني شيئا لغالبية من كان يشاهد المقابلة معي في المقهى، فما كان يهمهم هو تحقيق النصر وبأي طريقة. المهم هو أن نرفع راية البلد حتى لو كنا لصوصا أو شبيحة. ألا تجمع راية البلد جميع المغاربة حتى اللصوص والانتهازيين منهم، والذين ننعتهم بالعامية "القافزين"؟
والآن، هل هين أن يكون المغاربة على هذه الحال؟ 
أبدا، الأمر للأسف ليس هينا كما قد يعتقد كثير من الناس، بل إنه لأمر مقلق ومخيف ويثير لدي السؤال المشكلة: هل كفت الحياة الاجتماعية عن ان تحتضن مبدأ وحدة المغاربة؟ هل امتزجت الوطنية لديهم بالانتهازية؟
حذاري أن تفتقد الحياة الاجتماعية للمغاربة لمبدأ وحدتهم، فحينئذ لن يتبقى لهم سوى السوق أو الاستبداد. أما إذا عثروا على هذا المبدأ، فليضعوه فوق الحياة السياسية وخصوصا الوطن، وليستخلصوا معناه الأعمق من عالم الأخلاقيات (l’éthique).

المصدر: تدوينة للدكتور جمال فزة على الفايسبوك

إرسال تعليق

 
Top