*  ياسين ياسني

يعرف المجتمع المغربي هذه الأيام الرمضانية الساخنة، دعوات لإفطار علني في هذا الشهر. و في المقابل ،و بطيعة الحال، هناك ردود أفعال كثيرة على هذه الدعوات ، و موضوعها بطبيعة الحال، التنديد و الشجب. 
لكن السؤال الذي يثير انتباهي هنا لماذا يثيرنا الإفطار العلني لرمضان و لا يثيرنا مثلا لعب اليانصيب في شوارع مدننا الكبيرة وبشكل علني؟ لماذا لا تثيرنا الحانات و الأماكن التي تباع فيها المشروبات الكحولية مثلا في الأسواق الكبيرة و بشكل علني؟ لماذا لا تثيرنا الرشوة التي نقدمها يوميا لقضاء حاجاتنا الإدارية ؟ لماذا لا يثيرنا فساد بعض الإدارات العمومية؟ لماذا و لماذا.............؟ أ ليست كل هذه الممارسات بالنسبة للدين الإسلامي مرفوضة و بآيات قرآنية. لماذا ليس هناك رد على برامج "اللوطو" و "الكينو" و "الكوترو" التي تبث على القناة الثانية أو على أمواج "الراديو" و التي تدعو المغاربة بعلانية و يوميا و بوسائل أكثر علانية من العلانية (التلفزة و الإذاعة) إلى لعب "اليانصيب"(القمار بشكل أكثر صراحة)؟ لماذا لا تثير استياء الكثير من المغاربة و يردون عليها و يشجبونها، كما يثيرهم إفطار رمضان بشكل علني أو بدونه؟ "اليانصيب" له مقاهيه الخاصة و نمر بها يوميا ملقاة في الشارع أو تباع عند بائع السجائر بالتقسيط بشكل علني؟ الخروقات اليومية للإسلام كثيرة و علنية لكنها لا تثيرنا أو أننا لسبب من الأسباب لا نريد إثارتها.
نعم، هناك خرق يومي للدين في مجتمعنا لكننا لا نحرك ساكنين سوى أمام دعوة لإفطار علني. ما السر في ذلك؟
هل الصيام بالنسبة للمغاربة هو أول أركان الإسلام الخمسة؟ فأن تقول لأحدهم أنا لا أصلي هو شيء عاد بالنسبة للكثيرين، أما أن تقول له أنا لا أصوم فهذا سيثير اندهاشه و غضبه و سيكفرك و لن يتسامح معك كما تسامح معك في عدم الصلاة(عماد الدين ثان أركان الإسلام). و هذا ما يفهمه المغاربة جيدا و لا يريدون الاعتراف به(النفاق الاجتماعي). الصيام بالنسبة لهم هو عماد الدين و ليس الصلاة. فالصلاة في المجتمع المغربي شرط من شروط الصيام و ليس العكس. لا نصوم لأننا نصلي بل نصلي لأننا سنصوم . و هذا ما يفسر اكتظاظ المساجد في شهر رمضان و فراغها في الأيام الأخرى أو بالأحرى الأخيرة.
صراحة قضيت اليوم كله و أنا أفكر في تفسير علمي و منطقي لذلك لكنني لم أتوصل لشيء يذكر. هل السر كامن في موسمية رمضان التي تقيه شر الروتين؟ أم هو كائن في تكسيره لروتينية حياتنا اليومية في كل جوانبها الاجتماعية ( وقت أكثر للقاء الأصدقاء و اجتماع مع العائلة حول طاولة واحدة و جودة الأطعمة)؟ هل هو تحسن البرامج التلفزية؟ أو هو كامن في تحسن النظام الغذائي؟ أم لأنه يعني الترفيه و المرح و الرياضة و دوريات كرة القدم...؟ أم فرصة للإقلاع عن التدخين؟ أم أن هذا كله يتضافر ليجعل من الصيام طقس عظيما لا بد منه، طوطيما محميا بملذات اجتماعية كثيرة من الصعب و من غير المسموح التنازل عنها.

*  أستاذ فلسفة و باحث في علم الاجتماع

ملاحظة : عنوان المقال هو من اختيار المشرف على المدونة

إرسال تعليق

 
Top