في سفر فريد عبر الزمن، يقوم معرض "ومضات 3"، باختصار عشرة قرون من الحضارة الإسلامية والمغربية وما راكمته من فنون وإبداعات في عشرة أيام تمتد من السابع إلى غاية السابع عشر من الشهر الجاري برواق فني جمع 999 عملا وتحفة فنية استطاعت أن تقاوم عوادي الزمن لتبقى شاهدة على عراقة وأصالة الموروث الحضاري بامتداداته المحلية والإسلامية.
وينطلق هذا السفر عبر الزمن من عمق التاريخ كومضات، تشرق بإبداعات تم تجميعها لأول مرة، لتضع عشاق التحف الفنية أمام مجموعة متفردة من الأعمال الأصيلة والعريقة، فاتحة لزوار المعرض من علماء وباحثين ومتخصصين وهواة وحتى لمن دفعهم الفضول إلى اكتشاف عوالم غير مسبوقة من تاريخ المغرب، كوة لاختراق المسافات الزمنية، داعية إياهم للمساهمة في الحفاظ على هذا التراث وصيانته.
وفي هذا الصدد، أوضح منظم المعرض عبد الرحمن شكري، وهو من هواة جمع التحف النادرة، وكان قد أسهم في الثمانينات من القرن الماضي بتأسس جمعية وطنية خاصة بعشاق جمع التحف النادرة، أنه يبتغي من وراء هذه المبادرة مساعدة الشباب والأجيال الصاعدة على الوعي بأهمية هذا الموروث الثقافي والحضاري، وإدراك أبعاده المتنوعة، وحثهم على المساهمة في الحفاظ عليه.
في فضاء المعرض، الذي يعرض فيه حصيلة ما جمعه طيلة خمسين سنة، تلمع تلك الومضات الفنية مشرقة، وباعثة إضاءات تنير مناطق شبه معتمة، مبرزة محطات تشهد على غنى الموروث المغربي، لتنسج بذلك خيوطا تعيد رسم معالم ذاك الماضي العريق، وكاشفة عن رغبة منظم المعرض، بل هوسه في تقاسم تلك الروح الفنية الراقية مع الجميع .
فمن خلال مسيرة بحثه الطويلة بين دفات التاريخ، مقلبا صفحاته لاقتناص درر موسومة بعراقتها وتميزها كصندوق تلتقي فيه الحضارات، وتتقاطع عنده كل المكونات الثقافية للهوية الوطنية، يسعى السيد شكري في معرضه، الذي يقيمه في رواق إلدون شكري، نقل تلك المكنوزات العابرة للزمن، محفزا مخيال زواره لإعادة رسم اللوحة ثانية, وتجميع كافة تقاسيمها التاريخية والفنية، متنقلين بين فترات زمنية لكل منها روحها الخاصة.

وفي هذا المعرض، الذي كان ثمرة بحث ورحلات متواصلة دامت لسنوات عديدة، يتربع سيف كان قد استخدم في معركة وادي المخازن في 1578، محاطا بطوق من الجواهر المتلألئة وكأنها حرسه الخاص، وبطوق، تمت إعادة ترميمه حسب الطراز المكناسي، يقول السيد شكري، ليبقى شاهدا على تلك الحقبة المنيرة من تاريخ المغرب.
ويمضي في بوحه قائلا إنه استطاع خلال مسيرة بحثه هذه تجميع 2800 قطعة فنية، منها 1800 قطعة خزفية، وفي كل مرة كان يخفق فيها في الحصول على إحدى التحف بسبب نقص في الموارد المالية، كان "يشعر كما لو أن خنجرا اخترق قلبه"، وهو المتعطش دوما لتجميع التحف النادرة التي تحمل بين طياتها عبق التاريخ وأريج الحضارة.
ومن أبرز النوادر التي تحفل بها مجموعته، التي اختار تطوعا عرضها أمام العموم، سلهام مطرز بخيوط ذهبية كان قد أهداه السلطان مولاي عبد العزيز للأمير الإيطالي كورسيني في 1905، والذي اقتناه شكري من لندن، والنسر برأسين (القرن الخامس عشر) ، التحفة التي تنتمي إلى الفن الأندلسي، وجرة مرينية كبيرة، وتحف خزفية فريدة، ومجموعة أسلحة تعود للجيش العثماني من القرن السادس عشر، هي مجموعة إذن تمت صيانتها وحمايتهما لتكون مشتركا جماعيا يتم فيه تقاسم الماضي، الذي يستحق من الجميع أن يعتز به كمبعث فخر بعراقة الهوية الوطنية وعمقها التاريخي.
هذا إضافة إلى صندوق يعود إلى القرن الخامس عشر، وزرابي من الأطلس الكبير، ومجموعة ألبسة تقليدية منسوجة من الحرير ومطرزة بخيوط ذهبية من تطوان وفاس، ومجموعة صور تعود للقرن التاسع عشر، ومطروزات من عدة مناطق بالمملكة، خاصة من الرباط ومكناس وأزمور وتطوان وسلا، وتعود أقدمها إلى القرن السادس عشر، ومنسوجات من شمال المغرب، وخناجر مغولية مرصعة بالأحجار الكريمة، وياقوت ونفائس من القرن الثامن عشر، ومخطوطات وأسلحة وخزف ومصنوعات خشبية وحديدية ونحاسية، وكلها تحف تشي بغنى وجمالية التراث المغربي وألقه.
ومضات 2014، الذي جاء بعد محطتي 1997 و2001، يمضي في طريقه غير عازم على التوقف، حيث يعد منظم المعرض عشاق التحف والتاريخ بجولة رابعة بطابع خاص، قد تكون مخصصة للمخطوطات والمسكوكات النفيسة والنادرة.
*و.م.ع

إرسال تعليق

 
Top